الحلف بغير اللّه
هل يجوز الحلف بغير اللّه سبحانه كالحلف بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و القرآن والكعبة وغيرها من المقدسات أو لا ؟
عندما نستنطق القرآن في ذلك، نرى انّه سبحانه حلف في سورة الشمس وحدها بثمانية أشياء من مخلوقاته هي: الشمس، ضحاها، القمر، النهار، الليل، السماء، الاَرض، والنفس الاِنسانية.(1)
وكذلك ورد الحلف بغير اللّه في سورة النازعات والمرسلات والطارق والقلم والعصر والبلد وإليك نماذج من الحلف بالمخلوق في غير تلك السور.
(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُون* وَطُورِسينينَ* وَهذا البَلَدِالاََمين) .(2)
(وَاللَّيلِ إِذا يَغْشى*وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى) .(3)
(وَالْفَجْرِ* وَليالٍ عَشْرٍ*والشَّفعِ وَالوَتْر*واللَّيلِ إِذا يَسْر).(4) (وَالطُّورِ *وَكِتابٍمَسْطُور* في رَقٍّ مَنْشُورٍ* وَالْبَيْتِالْمَعْمُورِ* وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ* وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ).(1)
(لَعَمْرُكَ إنّهم لَفِي سَكْرَتهِمْ يَعْمَهُون) .(2)
فلو كان الحلف بغير اللّه شركاً وأمراً قبيحاً، فكيف يصدر منه سبحانه وقد وصف الشرك بالفحشاء، وقال: (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلى اللّهِ ما لا تَعْلَمُونَ) .(3)
والقبيح قبيح مطلقاً دون فرق بين ارتكابه من قِبل الخالق أو المخلوق، وهذا يُعرب عن أنّ الحلف بغير اللّه سبحانه إذا كان لغاية عقلائية أمر لا محذور فيه.
ثمّ إنّ الغاية ـ غالباًـ من حلفه سبحانه بالاَُمور الكونية هي الاِشارة إلى الاَسرار المكنونة فيها ودعوة الناس إلى الامعان فيها وكشف رموزها، ولكن الغاية في حلف الاِنسان بالذوات القدسية ـ وراء الاشارة إلى قدسيّتهم ـ هي امّا الترغيب أو الترهيب أو كسب ثقة المقابل.
وإذا عطفنا النظر إلى السنة النبوية نجد انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلف بغير اللّه سبحانه.
أخرج مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة، قال:
«جاء رجل إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول اللّه أي الصدقة أعظم أجراً؟ فقال: أما ـ وأبيك ـ لتنبّأنّه أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء».(1)
وأخرج أيضاً عن طلحة بن عبيد اللّه، قال:«جاء رجل إلى رسول اللّه ـ من نجد ـ يسأل عن الاِسلام، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خمس صلوات في اليوم والليل.
فقال: هل عليَّ غيرهن؟
قال: لا... الا أن تطوع،وصيام شهر رمضان.
فقال: هل عليَّ غيرها؟
قال: لا... الا ان تطوع، وذكر له رسول اللّه الزكاة.
فقال الرجل: هل عليّ غيره؟
قال: لا...الا أن تطوع.
فأدبر الرجل وهو يقول: واللّه لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.
فقال رسول اللّه : أفلح ـ و أبيه ـ (2) إن صدق.أو قال: دخل الجنة ـ وأبيه ـ إن صدق.(1)
وثمةأحاديث أُخرى طوينا الكلام عن ذكرها مخافة الاطالة.
سوَال وجواب
أخرج النسائي في سننه، عن ابن عمر: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من حلف بغير اللّه فقد أشرك.(2)
ومعه كيف يجوز الحلف بغير اللّه سبحانه؟
والجواب: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يشير في قوله هذا إلى نوع خاص من الحلف الرائج في ذلك العصر وهو الحلف بالاَصنام كاللات والعزّى، ويدل على ذلك ما أخرجه النسائي أيضاً في سننه عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من حلف، فقال في حلفه باللات والعزّى، فليقل لا إله إلاّ اللّه».(3)
وأخرج أيضاً عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمّهاتكم ولا بالاَنداد.(4)
إنّ الحديث الاَوّل يكشف عن انّ رواسب الجاهلية ما زالت عالقة في بعض النفوس، فكانوا يحلفون بأصنامهم، فأمرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقولوا بعد الحلف «لاإله إلاّ اللّه»، لاَجل القضاء على تلك الخلفيات كما انّ الحديث الثاني يشير إلى انّ وجه المنع عن الحلف بالآباء والاَُمّهات لشركهم ويوَيد ذلك اقترانها بقوله ولا بالانداد، والمراد منها هي الاَصنام والاَوثان.
ويظهر من كثير من الفقهاء جواز الحلف بغير اللّه غير انّهم اختلفوا في وجوب الكفارة عند الحنث، وهذا يعرب عن تصافقهم على جواز الحلف وإنّما الاختلاف في انعقاده وكفارته،وإليك بعض النصوص:
قال ابن قدامة: الحلف بالقرآن أو بآية منه أو بكلام اللّه يمين منعقدة تجب الكفارة بالحنث فيها، وبهذا قال ابن مسعود، والحسن وقتادة ومالك والشافعي وأبو عبيد وعامة أهل البيت.
وقال أبو حنيفة : وأصحابه ليس بيمين ولا تجب به كفارة.(1)
وقال ابن قدامة في موضع آخر: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق والاَنبياء وسائر المخلوقات ولا تجب الكفارة بالحنث فيها، وهذا ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء، وقال أصحابنا : الحلف برسول اللّه يمين موجبة للكفارة.(2)
نعم اتّفق الفقهاء على أنّه لا تفُضَّ الخصومات عند القاضي إلاّ بالحلف بالل.