الحلف على اللّه بحقّ الاَولياء
إنّ القرآن الكريم يصف بعضَ عبادِ اللّه، بقوله:
(الصّابِرينَ وَالصّادِقينَ وَالقانِتينَ وَالمُنْفِقينَ وَالمُسْتَغْفِرينَ بِالاََسْحار ) .(1)
فلو أنّ أحداً قام في آناء الليل وصلّى ناشئته ثمّ ابتهل إلى اللّه متضرعاً، و قال: «اللّهمّ إنّي أسألُكَ بِحقِّ الْمُستَغْفِرينَ بالاَسحار اغفر لي ذنبي» فهل يجوز ذلك أو لا ؟
يمكن استكشاف الحكم من الاَحاديث المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والاَئمّة الاَطهار.
1. قد أخرج الترمذي وابن ماجة والاِمام أحمد عن عثمان بن حنيف: انّ رجلاً ضريراً أتى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أُدعو اللّه أن يعافيني، ثمّ نقَلوا أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمره أن يتوضّأ ويُحسن وضوءه ويصلّي ركعتين ويدعوا بهذا الدعاء: «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبيّالرحمة، يا محمّد إنّي أتوجه بك إلى ربّي في حاجتي لتُقضى اللّهمّ شفّعه في».(1)
2. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعاء التالي: «اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك وأسألك بحقّممشاي هذا».(2)
3. أخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول اللّه : (صلى الله عليه وآله وسلم)لما اقترف آدم الخطيئة رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحقّ محمّد الا غفرت لي.(3)
4. أخرج الحاكم في مستدركه، و الطبراني في معجمه الاَوسط، وأبو نعيم في حلية الاَولياء، عن أنس بن مالك، انّه لما ماتت فاطمة بنت أسد، حفروا قبرها، فلما بلغوا اللحد، حفره رسول اللّه بيده ، وأخرج ترابه بيده، فلما فرغ، دخل رسول اللّه فاضطجع فيه، وقال: اللّه الذي يحيي و يميت،وهو حيّ لا يموت، اغفر لاَُمّي فاطمة بنت أسد، ولقِّنها حجَّتها ووسِّع عليها مَدْخَلها بحقّ نبيّك والاَنبياء الذين من قبلي فانّك أرحم الرحمين.(4) إنّ هذه الاَدعية وإن خلت من لفظ القسم بعينه إلاّ انّها تضمنت معنى القسم لوجود باء القسم فيها فكأنّما يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بحقّالسائلين عليك أي أُقسمك بحقّهم.
وقد ورد الحلف على اللّه بحقّ الاَولياء في غير واحد من أدعية أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)الذين هم أعدال الكتاب وقرناوَه بنصّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي».(1) يقول الاِمام الطاهر الحسين بن علي (عليهما السلام) في دعاء يوم عرفة و هو يناجي ربّه: «بحقّ من انتخبت من خلقك، و بِمَن اصطفَيتَه لنفسك، بِحقِّ من اخترتَ من بريّتك، ومن اجتبيتَ لشأنك، بحقِّ من وصلتَ طاعتَه بطاعتك، وبحقّ من نيَّطت معاداته بمعاداتك.(2)
لما زار الاِمام الصادق (عليه السلام) مرقد جدّه الاِمام أمير الموَمنين (عليه السلام) دعا في ختام الزيارة بقوله: اللّهمّ استجب دعائي، واقبل ثنائي، وأجمع بيني وبين أوليائي، بحقِّ محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».(3)
وهذه الاَدعية عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تدلّ على جواز الحلف على اللّه بحقّ أوليائه الصالحين.سوَال وإجابة
ربمايقال: انّ المسألة بحقّ المخلوقين غير جائز لاَنّه لا حقّللمخلوق على الخالق.
والجواب أوّلاً: انّهذا اجتهاد في مقابل النص الصريح، إذ لو لم يكن للمخلوق حقّ في ذمة الخالق، فلماذا أقسم النبي آدم «عليه السلام» والنبي محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) على اللّه بالحقوق، الواردة في الروايات؟
وثانياً: انّه سبحانه يُثبت لعباد اللّه الصالحين حقوقاً في ذمته، ويقول: (وَكانَ حَقّاً عَلَيْنا نَصْرُ الْمُوَْمِنينَ)(1)، (وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً في التَّوارةِ وَالاِِنْجيل)(2) (كَذلِكَ حَقّاً عَلَيْنا نُنْجِ الْمُوَْمِنينَ) :(3) (إِنّما التَّوبَةُ عَلى اللّهِ للَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَة) .(4)
وثمة مجموعة من الروايات تشير إلى وجود الحقّ للمخلوق في ذمة الخالق، وإليك نماذج منها:
1. «حقّعلى اللّه عون من نكح التماس العفاف ممّا حرم اللّه».(5)
2. قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ثلاثة حعلى اللّه عونُهم: الغازي في سبيل اللّه، والمكاتب الذي يريد الاَداء، والناكح الذي يريدالتعفف».(1)
3. «أتدري ما حقّالعباد على اللّه».(2)
نعم من الواضح انّه ليس لاَحد بذاته حقّ على اللّه تعالى، حتى لو عبد اللّه قروناً طويلة، لاَنّ كلّما للعبد من حول و قوة، ونعمة فهو للّه تعالى فلم يُبذل العبد شيئاً من نفسه في سبيل اللّهحتى يستحق بذاته الثواب.
فإذاً فما معنى الحقّ؟
والجواب: انّالمقصود من الحقّ في هذه الاَدعية أو الاَحاديث هو المنزلة التي يمنحها اللّه لعباده مقابل طاعتهم وانقيادهم ، لكن بتفضّل وعناية منه، لا بإستحقاق من العبد، فالحقّ الذي يُقسَم به على اللّه حق، جعله اللّه على ذمته لا انّالعبد استحق حقاً على اللّه، ونظير هذا استقراضه سبحانه من عبده، يقوله: (مَنْ ذَا الَّذي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً) .(3)
إنّهذا التعبير نابع من لطفه سبحانه وعنايته الفائقة بعباده الصالحين حتى يعتبر ذاته المقدسة مديوناً لعباده، وعبادَه دُيّاناً أصحاب الحق، ففي هذا الاَمر من الترغيب والتشجيع إلى طاعة اللّه ما لا يخفى.